هاجم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة على خلفية انتقاده التدخل العسكري التركي في سوريا، مشيراً إلى أن سيّد الإليزيه في حالة “موت دماغي”، مستعيراً العبارة التي استخدمها ماكرون مؤخراً لوصف حلف شمال الأطلسي.
واستغل إردوغان خطابًا متلفزاً لمهاجمة ماكرون قبل أيام فقط من انضمامهما إلى قادة آخرين في حلف شمال الأطلسي للمشاركة في قمة في بريطانيا تزامنًا مع الاحتفال بالذكرى الـ70 لتأسيس الحلف.
وقال إردوغان “أتوجه إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وسأكرّر ذلك له في “قمة” حلف الأطلسي. عليك قبل أي شيء أن تفحص موتك الدماغي أنت نفسك.
لا تناسب تصريحات من هذا النوع إلا أمثالك الذين في حالة موت دماغي”.
واقتبس إردوغان تصريحات نظيره الفرنسي الأخيرة التي قال فيها إن حلف شمال الأطلسي يعاني من “موت دماغي” جرّاء غياب التعاون الاستراتيجي بين أعضائه.
وقال الرئيس التركي لماكرون “حين يتعلق الأمر بالتباهي، أنت تتقن ذلك. لكن حين يكون المطلوب تسديد المبالغ المترتبة عليك للحلف الأطلسي، يختلف الأمر.
إنك مجرّد مبتدئ”.
وفي رد فعلها على تصريحات إردوغان، أعلنت الحكومة الفرنسية أنها استدعت السفير التركي إلى وزارة الخارجية مساء الجمعة لمناقشة المسألة، في ثاني استدعاء للسفير خلال شهرين.
وكانت الرئاسة الفرنسية قالت غنّ “هذا ليس تصريحًا، إنها إهانات” مضيفة “سيتم استدعاء السفير الى الوزارة لكي يفسر ذلك”.
ويبدو أن إردوغان انزعج خصوصًا من انتقادات ماكرون للعملية العسكرية التي نفّذتها تركيا عبر الحدود في تشرين الأول/أكتوبر ضد المقاتلين الأكراد الذين دعمهم الغرب في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
وأسفرت العملية التركية عن مقتل عشرات المدنيين، معظمهم من الجانب الكردي، بينما دفعت مئات الآلاف للفرار.
وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي مشترك الخميس مع الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ في باريس إنه يتفهّم المخاوف الأمنية “لدى حليفتنا تركيا التي تعرَّضت لعدة هجمات على أراضيها”.
لكنه أضاف “لا يمكنك من ناحية القول إننا حلفاء وطلب التضامن في هذا الصدد، ومن ناحية أخرى وضع حلفائك أمام الأمر الواقع المتمثل في عملية عسكرية تعرّض للخطر أعمال التحالف المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية الذي ينتمي إليه حلف شمال الأطلسي”.
وردّا على التصريحات، اعتبر الرئيس التركي البالغ من العمر 64 عامًا أن ماكرون “41 عامًا” “عديم الخبرة”.
وأضاف “لا يعرف معنى محاربة الإرهاب.
لهذا اجتاحت حركة السترات الصفراء فرنسا”، في إشارة إلى المتظاهرين المناهضين لحكومة ماكرون منذ العام الماضي.
وأشار إردوغان إلى أن لدى أنقرة الحق بالتدخل في سوريا نظراً لوجود حدود مشتركة بين البلدين.
وتوجّه لماكرون قائلاً “ما دخلك أنت بسوريا؟ لوّح بقدر ما تشاء، في نهاية المطاف ستعترف بصحة كفاحنا ضد الإرهاب”.
– “ديك يصيح” – ورفعت الحرب الكلامية بين الطرفين منسوب التوتر بين أعضاء حلف شمال الأطلسي والذي قد يخيّم على قمة الأسبوع المقبل.
ويستعد قادة الدول الأعضاء لسجال بشأن الإنفاق وكيفية التعاطي مع روسيا، في اختبار ضخم لوحدة الصف داخل الحلف.
وأطلق ماكرون ضربة بداية الانقسامات عبر الإشارة في مقابلة مع مجلة “ذي إيكونوميست” في السابع من تشرين الثاني/يناير إلى أن الحلف في حالة “موت دماغي”.
وكدليل على تقييمه، أشار إلى قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفاجئ سحب قوات بلاده من شمال سوريا والعملية العسكرية التركية التي أعقبت ذلك ضد وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة “إرهابية”.
من جهته، أشار مسؤول أميركي رفيع الجمعة إلى أن ماكرون “لا يزال يحاول معرفة ما الذي يريده” من الحلف الأطلسي.
ودعا ماكرون إلى تحويل الأولويات من التركيز على قوى كبرى على غرار روسيا والصين إلى مواجهة الإرهاب الذي اعتبره “العدو المشترك”.
لكن المسؤول الأميركي الذي رفض كشف هويته أشار إلى أن ترامب سيؤكد في قمة الحلف أن الصين وروسيا لا تزالان بين أبرز التحديات التي يواجهها التكتل، قائلاً “الصين قبل كل شيء”.
وقال المسؤول إنه “ليس من الغريب” أن كثيرا من أعضاء حلف الأطلسي يشعرون بالقلق حيال “عدم اكتراث “روسيا” المتواصل لسيادة ووحدة أراضي جيرانها”.
ورفض المصدر التعليق على ما وصفه “بالأخذ والرد” بين الرئيسين الفرنسي والتركي بينما شدد على “الاحترام” المتبادل بين ماكرون وترامب.
ولم يكن هجوم الجمعة الأول الذي تشنّه أنقرة على ماكرون رداً على انتقاده لها.
ففي تشرين الأول/أكتوبر، شبّهه وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو بـ”ديك يصيح” بعدما انتقد الرئيس الفرنسي سجل أنقرة على صعيد حقوق الإنسان في خطاب أمام مجلس أوروبا.
وفي هذا السياق، اعتبر الباحث لدى المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والاستراتيجية ديدييه بيليون أن تدهور العلاقات بين فرنسا وتركيا بات “تقريبًا بدرجة الخطورة نفسها التي سجلت في عهد “الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا” ساركوزي”.
ويذكر أن ساركوزي أثار حفيظة تركيا عبر معارضته لطموحاتها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.